فصل: النوع الثاني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الواضح في علوم القرآن



.2- في الاصطلاح:

عرف الأصوليون والفقهاء النسخ بقولهم: رفع الشارع حكما شرعيا بدليل شرعي متراخ عنه. أي رفع استمرار العمل بالحكم السابق، والعمل بالحكم الثابت آخرا.
هذا التعريف يتناول النسخ الواقع في الكتاب وفي السنة، وظاهره يفيد أن النسخ لا يتوجه إلا إلى الحكم فقط، ولا يتوجه إلى نسخ التلاوة.
ومرادنا هنا النسخ في القرآن وهو: رفع الحكم الثابت بالنص القرآني، أو رفع تلاوة النص والحكم الثابت به معا.
وعلى هذا يكون معنى نسخ تلاوة النص: نسخ حكم من أحكامه، وهو رفع الإثابة على ترتيله وصحة الصلاة به، وغير ذلك من وجوه الأحكام للنص القرآني.

.2- جواز النسخ:

أجمع المسلمون على جواز النسخ مطلقا. واستدلّوا على ذلك بالنقل والعقل:

.أ- أما النقل:

فمنه قوله تعالى: {ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 106] ننسها: نمحها من القلوب فهي صريحة بجواز النسخ، بل هي قد نزلت ردّا على الذين طعنوا في الشريعة الإسلامية بوقوع النسخ فيها. وقوله تعالى: {وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [النحل: 101] والتبديل هو رفع لأصل وإثبات لبدل، وهذا هو معنى النسخ. والآية صريحة في جواز ذلك، بل هي تنكر على من يتهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالكذب بسبب وقوع ذلك في شرعه.
وفي الكتاب والسنة نصوص كثيرة تدلّ على جواز النسخ.

.ب- وأما العقل:

فهو أن العقل لا يمنع جوازه بل يقتضيه. وذلك لأن الله تعالى يشرّع الأحكام لتحقيق مصالح العباد، ومصالح العباد قد تختلف باختلاف الأزمان، وليس مما يمنعه العقل أن يعلم الله تعالى المصلحة في عمل في زمن من الأزمان ويعلم عدم المصلحة فيه في زمن آخر، وعلم الله تعالى في الحالتين قديم، فيأمر به في الزمن الأول وينهى عنه في الزمن الآخر، وهو سبحانه وتعالى أعلم بمصالح العباد.

.3- أهميته:

ومما يدلّ على أهمية هذا العلم من علوم الكتاب العزيز، وعظيم شأنه؛ اعتناء العلماء به وتأليفهم فيه، نذكر منهم:
1- قتادة بن دعامة السدوسي، وهو تابعي متوفى سنة (188 هـ).
2- أبو عبيد القاسم بن سلّام، المتوفى سنة (223 هـ).
3- أبو داود السجستاني، المتوفى سنة (275 هـ).
4- مكي بن أبي طالب، المتوفى سنة (313 هـ).
5- أبو جعفر النحّاس، المتوفى سنة (338 هـ).
6- هبة الله بن سلام، المتوفى سنة (410 هـ).
7- ابن العربي، صاحب كتاب (أحكام القرآن) المتوفى سنة (546 هـ).
8- ابن الجوزي المتوفى سنة (597 هـ).

.الفصل الثاني (وقوع النسخ في القرآن- أنواعه):

.1- وقوع النسخ في القرآن الكريم:

لقد ثبت عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين القول بوقوع النسخ في القرآن الكريم، ولذلك قالوا: لا يجوز لأحد أن يفسّر كتاب الله تعالى إلا بعد أن يعرف الناسخ منه والمنسوخ، ولم يقبلوا قول من جهل النسخ فيه أو أنكره، بل شدّدوا النكير عليه.
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر رضي الله عنه: أقرؤنا أبيّ، وأقضانا عليّ، وإنا لندع من قول أبيّ، وذاك أن أبيّا يقول: لا أدع شيئا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد قال الله تعالى: {ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها} [البقرة: 106].
فهذا الحديث يدلّ على أن عمر رضي الله عنه استدلّ بالآية على وقوع النسخ في القرآن، وأنه ينكر على أبيّ رضي الله عنه عدم تركه شيئا سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وروي أن عليّا رضي الله عنه مرّ على قاض فقال له: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا. قال عليّ رضي الله عنه: هلكت وأهلكت.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة: 269] قال: ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره وحرامه وحلاله.
فهذه النقول وغيرها الكثير تثبت القول بوقوع النسخ في القرآن الكريم، وإليك بعض الأمثلة التي وقع فيها النسخ فعلا:
1- قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180].
فالآية تفيد وجوب الوصية على من حضرته الوفاة وله من يوصى له من الوالدين أو الأقربين. والجمهور على أن حكم هذه الآية منسوخ بآيات المواريث التي بيّنت لكل من الوالدين والأقربين حقّه ونصيبه من الميراث.
2- قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: 15].
فالآية تدلّ على أن عقوبة من ثبت زناها الحبس في البيوت حتى الموت، وقد كان الحكم كذلك في ابتداء الإسلام، حتى نسخ بوجوب الجلد بقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2].
والجلد الثابت في الآية بالنسبة للبكر رجلا كان أو امرأة، وأما المحصن من كل منهما فالعقوبة هي الرجم والتي ثبتت بأدلة أخرى.
3- قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المجادلة: 12].
فقد كان واجبا على الواجد أن يتصدّق بصدقة قبل أن يخاطب الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ} [المجادلة: 13].
ويروى عن عليّ رضي الله عنه أنه ما عمل بها غيره، وأنها لم تكن إلا ساعة من نهار.

.2- أنواع النسخ في القرآن:

والمراد أنواع النسخ من حيث رفع الحكم أو التلاوة أو رفعهما معا، وهو على هذا ثلاثة أنواع:

.النوع الأول:

نسخ التلاوة والحكم معا، وذلك بأن يبطل العمل بالحكم الثابت بالنص، إلى جانب حذف النص من القرآن، وعدم إعطائه حكم التلاوة من حيث صحة الصلاة به والتعبد بتلاوته، وبالتالي عدم إثباته في المصحف حين جمع القرآن.
ومثال هذا النوع: ما رواه مسلم وأصحاب السنن عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن: (عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهنّ فيما يقرأ من القرآن).
فمن الواضح في هذا المثال أن الحكم، وهو التحريم بعشر رضعات معلومات، منسوخ. وكذلك هذه الآية منسوخة التلاوة، ولذا لم يكتبها الصحابة رضي الله عنهم في المصحف حين جمعوا القرآن. والمراد بقولها: «وهن مما يقرأ من القرآن» أن التلاوة قد نسخت ولم يبلغ ذلك كلّ الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتوفي وبعض الناس يقرؤها.

.النوع الثاني:

نسخ الحكم فقط وبقاء التلاوة، أي إنه يبطل العمل بالحكم الثابت بالنص، مع بقاء النص مما يتلى من القرآن ويتعبّد بتلاوته، ويثبت بين دفتي المصحف.
ومثال هذا النوع: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ} [البقرة: 240]. فإن هذه الآية مثبتة في المصحف، وتلاوتها متواترة على أنها قرآن يتعبد بتلاوتها وتصحّ بها الصلاة، مع أن الحكم الثابت بها، وهو وجوب التربّص حولا كاملا لمن توفي عنها زوجها، منسوخ بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة: 234].
فقد أوجبت على المتوفى عنها زوجها أن تعتدّ أربعة أشهر وعشرة أيام، وقد ثبت أنها متأخرة بالنزول عن الأولى، فدلّ ذلك على أن حكم الأولى منسوخ، وإن بقيت تلاوتها.

.النوع الثالث:

نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، أي إن الحكم الثابت بالنص يبقى العمل به ثابتا ومستمرا، وإنما يجرّد النص عما يثبت للقرآن المتلو من أحكام، كالتعبّد بتلاوته وصحة الصلاة به وغير ذلك، ولا يثبت في المصحف.
ومثال هذا النوع: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب وصحّحه ابن حبّان، عن أبيّ بن كعب، رضي الله عنهما، أنهما قالا: كان فيما أنزل من القرآن (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم).
والمراد بالشيخ والشيخة الثّيّب من الرجال والنساء، وهذا الحكم، وهو رجم الثّيّب من الرجال والنساء إذا زنى ثابت ومحكم ومعمول به. علما بأن هذه الآية لم يبق لها وجود بين دفتي المصحف ولا على ألسنة القراء، ولا تجوز بها الصلاة، ولا يتعبّد بتلاوتها.
فائدة:
بالغ بعض الكتّاب ممن تصدوا لدراسة الناسخ والمنسوخ، فعدّوا أيّ زيادة للبيان أو التقييد تجيء في إحدى الآيات؛ ناسخة للآية التي ورد فيها الحكم بلفظ العموم أو الإطلاق، ورفض علماء الأصول اعتداد هذا نسخا، واعتبروا بيان العموم أو تقييد المطلق من قبيل التفصيلات التي توضّح الحكم. ويذكر الزركشي أمثلة عن مغالاة بعض العلماء في القول بفكرة النسخ، فيقول: ومن ظريف ما حكي في كتاب هبة الله بن سلّام الضرير: أنه قال في قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} [الإنسان: 8]. منسوخ من هذه الجملة وَأَسِيراً والمراد بذلك أسير المشركين، فقرئ الكتاب عليه وابنته تسمع، فلما انتهى إلى هذا الموضع قالت: أخطأت يا أبت! في هذا الكتاب! فقال لها: وكيف يا بنية؟! قالت: أجمع المسلمون على أن الأسير يطعم ولا يقتل جوعا! والحقّ أنّ النسخ لابد فيه من نقل صحيح وصريح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو عن صحابي يقول: آية كذا نسخت آية كذا. أو يحكم به عند وجود التعارض المقطوع به، مع علم التاريخ؛ ليعرف المتقدم والمتأخر.
والأصل في الآيات القرآنية كلها الإحكام لا النسخ، وقد حصر العلماء القول بالنسخ في آيات معدودة، حدّدها السيوطي بتسع عشرة آية.

.الباب السابع: إعجاز القرآن:

الفصل الأول:
- تمهيد.
- تعريفه.
- دليله.
الفصل الثاني:
- وجوه إعجاز القرآن:
1- الوجه العام ومظاهره:
أولا: الإخبار عن المغيبات.
ثانيا: سمو تشريعه وشموله.
ثالثا: الإعجاز العلمي.
2- الوجه الخاص (الإعجاز البلاغي)، ومظاهره:
أولا- الخصائص المتعلقة بأسلوب القرآن.
ثانيا- الكلمة القرآنية.
ثالثا- الجملة القرآنية وصياغتها.
رابعا- جلال الربوبية في آياته.
خامسا- التصوير الفني في القرآن.
الفصل الثالث:
- أشهر الذين كتبوا في الإعجاز.